تعليق المهدي الجندوبي
رأي اليوم 23-9-2019
نجاح الأستاذ قيس سعيد هو أيضا نجاح للمنظومة الديمقراطية التونسية، رغم
الكثير من الإنتقادات التي يمكن أن تتعرض اليها، إذ سمحت لمرشح من خارج السلطة و
بإمكانيات بسيطة من تصدّر نتائج الدور الأول للإنتخابات الرئاسية و الأستاذ سعيد
يحمل رؤية إصلاحية تشترط تغيير جوهري في مؤسسات الحكم و خاصة طريقة إنتخاب مجلس
النواب، و هذا سيثير جدلا كبيرا و يتطلب جهدا ووقتا لخلق رأي جماعي يعبر الأحزاب و
يخلق حدا أدنى من الإنسجام لتمرير مثل هذه الإصلاحات التي تشمل آليات الحكم التي
تطلبت هي بدورها سنوات عديدة منذ 2011 الى اليوم و لم تكتمل بعد إذ لم تنصب
المحكمة الدستورية و لم تفعّل جوانب من الحكم المحلي التي وضعها دستور 2014.
يحمل الأستاذ قيس سعيد رؤى أخرى لا تتعلق بمؤسسات الحكم فهو يؤمن
ب"الدور الإجتماعي للدولة في كل المجالات" و هو خيار إعتمدته تونس بعد
الإستقلال في أوّل الحقبة البورقيبية ثم إبتعدت عنه، كما انه يطوّر فكرة دولة
القانون المتداولة في الخطاب السياسي و يدعو الى "مجتمع القانون" و يرى
أن المواطن في مجتمع القانون "يستبطن القانون و يحرص على تطبيقه".
أرى بتواضع أن هدف إصلاح مؤسسات الحكم لا يجب ان يكون الأولوية المطلقة و
العاجلة فتونس منذ حوالي عشرية شغلها الشاغل وضع أداة الحكم و قد اهملت نسبيا
أولويات أخرى مثل الإقتصاد و الشؤون الإجتماعية من نظام تربوي و صحي و رعاية
إجتماعية، و هذا التقصير سبب من اسباب غضب المواطنين على السلطة التي إعتبروها
عاجزة على مجابهة ملفات التنمية الحارقة. و الزمن الديمقراطي قصير و تتوالى
الفترات الإنتخابية بسرعة و يتغيّر مزاج الناخب إذا رأى أن مشاغله اليومية تراوح
مكانها و ان نخبه منغمسة في جدالات لا يفهم تعقيداتها حول آليات الحكم و هذا جانب
مما عشناه منذ 2011.
شعار حملة الأستاذ قيس سعيد،"الشعب يريد" شعار أرجعنا الى بدايات
الثورة، لكن ممارسة الحكم بعد الثورة طرحت إشكالات عديدة من ضمنها أهمية الوعي
بالفرق بين "ما اريده" و ما "اقدر عليه" فكثيرا ما بقي الخطاب
السياسي يعبّر عن الرّغبة و الحلم و يرسم الأهداف لكن في قطيعة مع النجاعة و القدرة
على الفعل و الإنجاز و تحويل الهدف-الحلم الى واقع ملموس.
سمحت الديمقراطية في تونس بالإطاحة السلمية بعدة حكومات و مكّنت المواطنين
و الإعلاميين بتوجيه إنتقادات لاذعة لكل من مارس السلطة و هذا مكسب لكنّها غازلت
المواطن و جعلت من كل مسؤول إداري او سياسي شمّاعة تعلّق عليها مشاكلنا. المواطن
التونسي اليوم بعد أن عزل قرابة 9 حكومات في اقل من عشرية يجب ان يجابه حقيقة دوره
و حجم مسؤوليته في كل الأوضاع التي يشكو منها فهو الذي لا يحترم الضوء الأحمر
عندما يقود سيارته و هو الذي يرمي بفضلاته خارج أوقات جمعها و هو الذي يعنّف
الطاقم الطبي في المستشفيات العمومية و هو الذي يقصّر في دفع ضرائبه و هو الذي لا
يلتزم بالطابور و يتعسّف على حق مواطنه في متجر او عند ركوب الحافلة و غيرها من
السلوكيات السلبية المنتشرة في حياتنا اليومية.
لعلّ في مفهوم "مجتمع القانون" الذي يدعو اليه الأستاذ قيس سعيد
تأكيد على هذا الدور الجديد للمواطن الذي لا يكتفي بإتنخاب حاكم يكلّفه بمهمة شبه
مستحيلة ثم يقيله، فنتوجّه الى وضع عقد مسؤولية جديد بين الحاكم المنتخب و المواطن
الفاعل و العامل.
ملاحظة: نشر هذا التعليق تفاعلا مع مقال نشره د.محمد عبد الحكيم كرشيد
في موقع رأي اليوم تحت عنوان: لماذا و كيف فاز السيد قيس سعيد في الدّور الأول من
الإنتخابات الرئاسية؟، بتاريخ 23-9-2019.
المصدر:
https://www.raialyoum.com/index.php/لماذا-وكيف-فاز-السيد-قيس-سعيد-في-الدور-ا/
كيف نصحح اخطاء الماضي و نحتفظ بافضل ما فيه لبناء المستقبل؟
الفساد السياسي الأعظم: هدر الزمن.
حتّى لا يكون العنف شكلا من السياسة
Quand le président Saied écorche l’alchimie des valeurs qu’il incarne.
Tunisie : Dirigeants bien élus et mal reçus.
La “patrie avant le parti” ou mon fils avant mes compagnons de lutte?